http://www.elshami.com

archival science
علم الأرشيف

كيان المعرفة المنتظم في نظرية، ومنهجية، وممارسة تطبيقية، والمتعلق بطبيعة وخاصية الأرشيفات والأعمال الأرشيفية.

فالنظرية الأرشيفية هي جميع أفكار الأرشيفيين عن ماهية المواد الأرشيفية؛

والمنهجية الأرشيفية تشير إلى جميع أفكار الأرشيفيين عن كيفية التعامل مع المواد الأرشيفية وهي حلقة الوصل بين النظرية والممارسة؛

أما الممارسة الأرشيفية فتشير إلى تطبيق النظرية الأرشيفية والمنهجية الأرشيفية في الواقع الفعلي.

 

وفي اللغتين الإنكليزية والألمانية، نلاحظ فرقا بين مصطلحي (المحفوظات: records, Registraturgut) و (الأرشيف: archives, Archivgut).

 

فمفهوم الأرشيف في اللغتين هو ما يتبقى من المواد المحفوظة (المحفوظات)  بعد استبعاد المواد عديمة القيمة. ونظريا، يتكون الأرشيف من مواد جوهرية ذات قيمة دائمة، وذلك على الرغم من أن بعض الكتاب،  مثل:  Luciana Duranti-1   يستخدمون أحيانا المصطلحات التالية في سياقات معينة كألفاظ مرادفة:

الأرشيف archives  ،  المواد الأرشيفية archival material   ،   الوثائق الأرشيفية archival documents  ،  والمحفوظات records

الأمر الذي سنتبعه هنا.

 

ويجدر كذلك التفريق بين مفهوم الأرشيف والمكتبات. فالفرق الجوهري بينهما ينحصر في أن الهدف الرئيسي للمكتبات هو الوصاية على النسخ المنشورة للمواد التي يقصد بها التوزيع الواسع، مثل الكتب والجرائد والوسائط السمعية والبصرية والممغنطة والمليزرة، الخ. أما الهدف الرئيسي للمؤسسات الأرشيفية فهو الوصاية على المواد الفريدة التي لم تخلق للنشر والتوزيع. وذلك على الرغم من أن بعض المكتبات تحتوي على مواد فريدة ونادرة، كما أن بعض الأرشيفات تحتوي على نسخ متعددة لبعض المواد، ولكن الطبيعة العامة للهدف الرئيسي لكل منهما يشكل الفرق الجوهري بينهما.

 

الفرق الثاني يتعلق بالأسباب التي دعت في المقام الأول إلى إنشاء تلك المواد. فالكتب أو المواد ذات النسخ المتعددة تستهدف الجمهور عامة. أما الوثائق الأرشيفية، المحفوظة على أي وسيط، فهي تنشأ لأغراض إدارية فقط ويستمر حفظها فقط طالما أن الكيان - قد يكون الكيان فردا أو هيئة عامة أو مؤسسة تجارية - الذي أنشأها يرى أنها تنجز ما يطلب منها من مهام يومية. كما أن الأرشيفي الألماني Franz von Loher قال عام 1876 إن الأوراق التي تستخدم لتوثيق القرارات أو الأفعال تتبع الأرشيف أما الباقي فيتبع المكتبات. كما قال الألماني Ivo Striedinger عام 1926 إن الفرق الجوهري يتعلق بأنه بعد اكتمال الغرض الإداري من الوثائق، يجب أن يكون لها غرض أو مغزى "قانوني" بالمعنى الواسع حتى تصبح وثائق أرشيفية. وقال إنه استخدم اللفظ "قانوني" حيث لم يجد لفظا آخر أفضل منه. كما قال إن الأرشيفات هي مستودعات للمواد التي تنشأ في مناطق جغرافية ذات حدود أو وحدات إدارية، كالدول أو الولايات أو المحافظات أو المدن أو ما شابهها (2).

 وكلمة علم هي كلمة مناسبة هنا لأن لها جانبان: الجانب العلمي البحت والجانب التطبيقي.

 فالجانب العلمي البحت، يتعلق بالناحية النظرية   theoretical   والأفكار الأساسية عن طبيعة هذا العلم.

 أما الجانب التطبيقي، فهو يتعلق بالمكونات العملية والمنهجية التي يستخدمها أخصائي الأرشيف. وقد تتمخض الممارسة الأرشيفية عن مكونات علمية هامة. ولهذا فإن الأرشيف يعتبر حقلا دراسيا كما يعتبر مهنة في حد ذاته. فالحقل الدراسي، كما يستخدم عامة، يشير إلى شكل دراسي له منهج مميز يهدف إلى التزويد بالمعرفة. ومثل هذا الحقل يحتوى على أمرين:

 

طريقة لاكتساب المعرفة (مجموعة القواعد الإجرائية التي تنظم الدراسة والبحث)، والمعرفة ذاتها.

 

وما يميز الحقل الدراسي الأرشيفي هو العلاقة بين المنهجية الأرشيفية والأفكار النظرية للأرشيف.

 

فالمنهجية الأرشيفية archival methodology تأخذ عن النظرية الأرشيفية archival theory، بينما تكون الدراسة والممارسة الأرشيفية هما نتاج تطبيق تلك المنهجية.

 

تلك العلاقة بين النظرية والمنهجية والدراسة، توحي بأن المنهجية الأرشيفية تساعد دارسي الأرشيف على اكتساب المعرفة طبقا للأفكار النظرية عن طبيعة الجانب الواقعي محل الدراسة. فالأفكار النظرية عن الوحدة الأرشيفية المتكاملة، مثلا، تملي المنهجية الأرشيفية التي يستخدمها أخصائي الأرشيف عند فحص تلك الوحدة، والتي بدورها تحدد الناتج الدراسي النهائي.

 

وعلى الرغم من أن النظام الدراسي الأرشيفي ينتج في معظم الحالات عن التطبيق العملي للمفاهيم، فهو ينتج أيضا، في حالات كثيرة، عن البحوث العملية التي ليس لها علاقة مباشرة بالنظرية أو المنهجية أو الممارسة التطبيقية.

 

فدراسة عن كيفية استخدام المستفيد للموارد الأرشيفية ليس له نفس العلاقة المباشرة بالنظرية والمنهجية كما هو موجود في بعض أجزاء تقرير عن المخزون الأرشيفي أو تقويم لذلك المخزون.

 

ودراسات المستفيدين، مثلا، قد تجلب طرقا محسنة من الدراسات الاجتماعية،

 

بينما الدراسات المتعلقة بالأرشيفات القديمة قد تلجأ إلى النظام الدراسي للتاريخ.

 

وعلى كل، فالظاهرة محل الدراسة تدخلها مفاهيم أرشيفية، لأنها ببساطة ناتجة عن الممارسة الأرشيفية المشتقة من النظرية والمنهجية الأرشيفية. ومثل تلك الدراسات التي تجلب أساليب من العلوم الأخرى تساهم في إثراء حقل الأرشيف.

 

فعلم المكتبات، مثلا، قد قدم استراتيجيات ساعدت على تطوير معايير الوصف الأرشيفي، بينما وفر علم المعلومات الأدوات الآلية لبناء نظم آلية للوصول إلى المواد والمعلومات الأرشيفية.

 

وهناك ميادين أخرى تساهم في تطوير الأعمال الأرشيفية.

 

فعلم الدبلوماتيقا diplomatics، مثلا، (دراسة النشوء والمكونات الداخلية والنماذج والتجميعات الطبيعية والوثائق الأرشيفية) المرتبط في صميمه بالقانون والتاريخ، يساعد أخصائيي الأرشيف على تحديد العلاقة بين السياق والمحتوى والنماذج.

 

كما أن القانون مثلا، يوفر العناصر الضرورية للإدارة الناجحة لعمليات الوصول إلى الوثائق وعمليات التزويد، وكذلك في تحديد القيمة القانونية للوثائق.

 

وفهم تاريخ الوثائق ونشأتها يساهم دون شك في ثقافة أخصائي الأرشيف.

 

وكتاب Posner عن الوثائق الأرشيفية في العالم القديم مهم في هذه الناحية، حيث يلقي ضوءا على الأمور النظرية لهذا العلم (3).

 

فمثلا، أثناء ترتيب الوحدة الأرشيفية المتكاملة، فإن كتابة قائمة جرد، أو تقويم سلسلة أرشيفية، يحتم على أخصائي الأرشيف أن يضع في حسابه البيئات الاجتماعية والثقافية والقانونية والسياسية والإدارية التي نشأت وحفظت فيها الوثائق. وحيث أن الوثائق نشأت على طول فترة زمنية، فإن بعدها التريخي يجب أن يؤخذ في الحسبان عند القيام بتحليلها.

 

والفكرة الأساسية للعلاقة بين الأرشيف وحقول المعرفة الأخرى، لا يقترح الفصل بين الأرشيف وتلك الحقول، فالأمر يحتاج إلى تحديد تلك الحقول وتحديد الأوجه العلاقية بينها وبين الأرشيف. والتحديد هنا لا يعني الفصل بل يعني التصنيف والتحديد في فئات، كما يعنى الترتيب من أجل الإيضاح والفهم. فكيان المعرفة الأرشيفية يمكن تمييزه عن كيان المعرفة عامة وعن حقول المعرفة المتخصصة كالتاريخ مثلا الذي قد تبنى عليه الأعمال الأرشيفية.

 

نظرة تاريخية

 

وجذور هذا العلم متأصلة في التاريخ. فقد وردت إشارات عامة عن طبيعة الأرشيفات والتزامات المسئولين عن إنشائها ورعايتها في القوانين الرومانية القديمة. وبعض بنود القانون الأوغسطيني لا يزال تأثيرها واضحا في النظرية الأرشيفية، كتعريف الأرشيف بأنه:

"المكان الذي تودع فيه السجلات العامة"، حتى "لا يصيبها الفساد ويمكن ايجادها بسهولة لكل من يطلبها"، وكذلك يمكن أن "تبقى كذكريات دائمة ومصانة لـ "الأفعال" المتعلقة بها".

 

والمفاهيم القضائية الرومانية لها تأثير قوي في أوربا على المفهوم الأرشيفي، ومنها تسربت إلى بعض المجتمعات العالمية الأخرى. وعلى ذلك فإن إيداع السجلات الموثقة في مكان عام يضمن موثوقية تلك السجلات كشواهد على الأحداث، وكذلك فإن الرعاية الدائمة التي توفر الموثوقية للسجلات قد أصبحت جزءا من المعرفة الأرشيفية. وهذا التعريف لايزال ساريا حتى وقتنا هذا كما كان تماما في القانون الروماني.

 

ولكن المعرفة الأرشيفية تطورت كثيرا بعد أن تكونت الدول الأوروبية الحديثة ابتداء من النصف الثاني من القرن السادس عشر، وبعد إنشاء العديد من دور الأرشيف بواسطة حكومات تلك الدول. فالسجلات التي جمعت، استخدمتها السلطات الحاكمة كبينات وإثباتات لحقوقها وامتيازاتها. أما الدارسون، فقد اعتبروها مصادر لغوية وتاريخية وإثباتات قانونية. وعلى ذلك فالمفاهيم الأرشيفية التي تكونت في المناخ الإداري والقانوني بدأت في الانتعاش متأثرة بالمفاهيم التى تبلورت في المناخ الثقافي. وهذا واضح من المفاهيم التي كانت تصدر بانتظام فيما بين 1552-1684 في كتابات وأعمال:

 

Carlus Molineus, Jacob von Rammingen, Baldassarre Bonifacio, Alberto Barisone, Ahasver Fritsch, and Nicolaus Glassianus.

 

ويلاحظ أن المؤلفات التي صدرت في هذه الفترة لم تميز بين الوثائق المحفوظة في المكاتب أثناء إنشائها وتلك التي تجمعت فيما بعد بما يعرف باسم الأرشيفات القومية. بل على العكس، فقد اعتبرت الأرشيفات القومية هي الهدف المركزي لأي نشاط في المكاتب الأرشيفية. والسبب الرئيسي لذلك المنحى هو أن أهم الشئون في أي زمان هي الشئون المتعلقة بالنواحي القانونية والسياسية، وهي التي يمكن العثور عليها في المراحل التاريخية السابقة. ولهذا فقد اعتبرت الوثائق ذات قيمة عالية لتوثيق الأفعال وحماية المواريث وتعليم الأجيال الحاضرة والمستقبلة وحفظ الأحداث التاريخية. كما هاجم الكتاب في تلك الفترة الفوضى والافتقار إلى التنظيم في الأرشيفات الإدارية والقانونية، وكذلك الأرشيفات التي استخدمت فيما بعد للأهداف الثقافية.

 

وطرق الترتيب التي اقترحها هؤلاء الكتاب كانت مبنية على الوظائف المتعلقة بإنشاء تلك الوثائق، كما هي ممثلة في البنية المطلقة للحكومة المركزية في تلك الفترة.

 

فمثلا، اقترح Glussianus التنظيم التالي:

مجموعة القوانين الكاملة المتعلقة بالمنطقة الجغرافية corpus،

ثم الفصول classes التي تشير إلى الطبيعة القانونية للأفعال التي ساهمت في تنفيذها تلك الوثائق (كالإدارة، والحقوق والامتيازات والتنازلات، والاستشارات)،

تتبعها السلسلة series التي تشير إلى نوعية الأنشطة التي نفذتها تلك الوثائق (كجمع الضرائب، ومنح الأراضي).

 

أما Jacob von Rammingen فقد اقترح إنشاء المجموعات الأرشيفية الرئيسية التالية:

الوثائق records المتعلقة بالسيادة الإقليمية للحاكم،

والوثائق المتعلقة بالشئون الداخلية،

والوثائق المتعلقة بالشئون الخارجية. 

ثم تقسم كل مجموعة رئيسية إلى قسمين فرعيين:

الوثائق المتعلقة بالشئون العامة،

والوثائق المتعلقة بالأحوال التي تتعلق بالأفراد أو الهيئات

 

 

ومع نهاية القرن السابع عشر، أدى استخدام المواد الأرشيفية لإثبات الحقوق والامتيازات الخاصة إلى تطوير الطرق المنهجية لاختبار موثوقية الوثائق محل الدراسة.  وكان ذلك هو بداية ظهور علم جديد، عرف باسم ”علم الوثائق التاريخية أو علم الدبلوماتيقا diplomatics الذي يعني بدراسة الوثائق الأرشيفية من ناحية شكلها وعمليات تكوينها. وقد بني هذا العلم على مجموعة من الأفكار المعنية بالمواد الأرشيفية. وظهرت أوائل التنظيمات المنهجية لتلك المعارف في أعمال الراهب الفرنسي Dom Jean Mabillon الذي نشر في 1681 عملا مكونا من ستة أجزاء بعنوان De Re Diplomatica.

 

ومنذ أن ظهر هذا العمل بدأ علم الدبلوماتيقا يتناول مجموعات الوثائق، ودراسة سماتها، ونشأتها، والطرق التي يجب أن تعامل بها بعد أن كانت الدراسات الدبلوماتيقية تتركز حول الوثائق المفردة. كل ذلك أدى كما تقول Luciana Duranti إلى توسيع الأسس النظرية للأرشيف ككيان حيوي مشكل للوثائق وعلاقاتها المتداخلة (4).

 

الملامح الأولى لعلم الأرشيف

 

في الفترة بين القرن السادس عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر، يمكننا رؤية الملامح الأولى للشكل المنتظم لعلم الأرشيف كخليط من:

الأفكار النظرية لعلم الدبلوماتيقا الذي يهتم بدراسة مكونات الوثائق، وأشكالها، ونشأتها، ونقلها، وآثارها، وموثوقيتها،

والأفكار المنهجية الأرشيفية

والعمليات التطبيقية المتعلقة بترتيب وتنظيم الوثائق ووصفها واستخدامها وحفظها وأمنها.

 

كما أن المكونات الأرشيفية لذلك الخليط كانت هي الأخرى نتاج التأثيرات الثقافية والسياسية.  فمن ناحية، فهي تعكس النظرة الموسوعية للمعرفة خلال حركة التنوير والفلسفة في القرن الثامن عشر، ومن الناحية الأخرى، فقد سدت الحاجات الملحة للحكام في ذلك الوقت.

 

فالتطبيقات الجماعية على ذلك المستوى الضخم للمناهج الأرشيفية المقترحة في أوربا لم تحدث مصادفة أثناء إنشاء السلالات الجديدة الحاكمة لأنظمتها الإدارية الجديدة (مثلما تم في النمسا وميلان وتسكانيا). فقد استخدمت حركات الإصلاح الاستبدادية بعض المقتنيات الأرشيفية القديمة، بعد الاعتراف بها ووصفها لخدمة أغراضها كقاعدة لمعرفتها لإحداث التغيير المنشود، بينما حددت إقامة باقي الوثائق في مبان خاصة للباحثين.

 

وهكذا لم يبدأ فقط الفصل بين الوثائق التي لها فائدة للحكومة وتلك التي لها فائدة ثقافية، بل كان هناك اهتمام أيضا بمحتويات الوثائق علي مستوى المفردة الأرشيفية.

 

 

تدريس الأرشيف

وبدأ في ذلك الوقت تعليم الأرشيفين في الجامعات. ففي 1770 أنشئ كرسي للتدريس في University of Bologna أطلق عليه اسم De chronologia et re diplomatica يشغله المسئول عن تنظيم مقتنيات الأرشيف العام، والذي ينقل إلى تلاميذه المعرفة الأكاديمية المنتظمة للدراسات التاريخية للأزمنة (الكرونولوجيا chronology، أي تقسيم الزمن إلى فترات وتعيين التواريخ الدقيقة للأحداث وترتيبها وفقا لتسلسلها الزمني)، وكذلك دراسة علم الدبلوماتيقا، كما ينقل إليهم المعرفة التجريبية التقنية للأساليب الأرشيفية المنهجية. وهناك مقرر دراسي مشابه لتلك الدراسة تقدمه University of Naples للأرشيفيين العاملين في Grande Archivio منذ 1777.

 

أما أولى المدارس المتخصصة لتدريس الأرشيف كمجموعة من البرامج المتكاملة، فقد تأثرت بتلك الفكرة، وهي أن مجموع معارف أخصائي الأرشيف تتألف من حقول فقه اللغة philological disciplines التي تتضمن الكرونولوجيا، وعلم الأختام sigillography، وعلم الخطاطة (الكتابات القديمة) paleography، وعلم الدبلوماتيقا diplomatics. بينما يتألف مجموع المعرفة المهنية من الأساليب المنهجية الأرشيفية والتطبيقات العملية.

 

وأول مدرسة أنشئت لهذا الغرض كانت في Naples عام 1811 أثناء حكم Murat وهي تعتبر أقدم مدرسة متخصصة لتعليم علم الأرشيف.

 

والمدرسة الثانية أنشأها الملك Maximilian I في النمسا Munich, Bayern في 13 فبراير 1821. 

 

أما المدرسة الثالثة، فقد أنشئت في باريس في 22 فبراير 1821 بقرار من وزير الداخلية وسميت Ècole des chartes. ولا تزال تلك المدارس قائمة، ولكن برامجها نالها الكثير من التغيير عبر السنين.

 

وفي الفترة الزمنية الواقعة بين إضافة برامج تعليم الأرشيف في الجامعات وإنشاء معاهد متخصصة لتدريس هذا العلم، غيرت أحداث الثورة الفرنسية الاتجاه الذي كان يأخذه علم الأرشيف. وكنتيجة لمركزية الأرشيفات القومية Archives Nationales لجميع مؤسسات الطبقة الحاكمة في فرنسا، والتي أصبحت ملغية بسبب الثورة، وبالقانون الصادر في 25 يوليو 1794، والذي أعلن أن وثائق الدولة الفرنسية هي ملك عام للشعب مفتوحة للمواطنين للاستشارة، أصبح ينظر إلى الوثائق على أنها كنوز وطنية تستعمل كمصادر تاريخية، كما تروج ويعلن عنها لجميع الدارسين والباحثين. وبذلك أخذت المعرفة الأرشيفية الشكل الأدبي لتاريخ الوثائق.

 

ومن الجدير بالذكر، أن النظرة إلى الوثائق على أنها ملك عام للشعب ساعدت على تأسيس الهويات الوطنية للدول التابعة للامبراطورية النابوليونية.

 

وفي نفس الوقت الذي تركزت فيه عدة مجموعات أرشيفية مميزة في مستودعات ضخمة، زاد استخدام المستفيدين لتلك المجموعات، وأصبحت هناك حاجة ملحة لسن القوانين واللوائح لحمايتها. فقد نصت القوانين الصادرة بين 1812 و 1857 في نابولي وبروسيا وهولندا وفرنسا على أن:

 

المجموعة الأرشيفية التابعة لمنشئ creator معين (الشخص أو الهيئة التي أنشأت أو استلمت الوثائق التي تكون الأرشيف أثناء نشاطها) يجب أن تحفظ منفصلة عن أرشيفات أي منشئ آخر،

 

كما أنها تحفظ في نفس الترتيب الذي كانت عليه عندما كان منشؤها نشيطا.

 

ولقد أصبح المبدآن التاليان اللذان يشكلان رسميا المعيار النموذجي القانوني من صميم تاريخ علم الأرشيف، وهما:

 

· مبدأ المنشأ

واللفظ في الإنكليزية والإيطالية والألمانية والهولندية والفرنسية على التوالي:

 

principle of provinance (English)

princpio di provenienza (Italian)

provenienzprinzip (German)

herkomstbeginsel (Dutch)

respect de fonds (French)

 

· مبدأ إعادة بناء الهيكل الأولي

 

principle of original order (English)

metodo storico (Italian)

strukturprinzip or registraturprincip (German)

structuurbeginsel (Dutch)

respect des l’ordre primitif (French)

 

ولقد مهد القانون وعلم التشريع الطريق المنطقي الذي تطور عنه علم الأرشيف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فنظرية طبيعة المادة الأرشيفية اشتقت من تحليل علاقة المادة الأرشيفية بالهيئة التي أنتجتها، وبوظائف تلك الهيئة وأنشطتها، وبحقوق وواجبات الناس المتفاعلين معها. هذه النظرية أوجدت الارتباط العضوي والمنطقي بنظرية الدولة في ذلك الوقت. وهكذا، فإن المناهج الأرشيفية قد بنيت في علاقة مع الدولة، حيث صممت لتحقيق الأغراض التي اعتبرتها الدولة ملكا لها والتي زودتها بحمايتها، وعلى أنها تخلد القيم التي تمثلها الدولة وتنميها. ولقد شكل مفهوم الدولة وقوانينها، خاصة في ألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا الوسيط الذي أدى إلى تطور علم الأرشيف في نظام عضوي موحد. ولقد دان تكامل هذا النظام إلى تماسكه المنطقي وإلى وجود هدف واضح له بحيث صمم حدوده التي يعمل في إطارها.

 

نحو علم الأرشيف

 

وبنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بدأت تتبلور فكرة أن علم الأرشيف يجب أن يعمل كنظام ذاتي مستقل بالكامل عن أي تيارات سياسية أو قضائية أو ثقافية. وكانت النظرية حول طبيعة المادة الأرشيفية هي محور هذا العلم.

 

وكان التعبير الأول عن هذا المفهوم الجديد هو ذلك الدليل الذي وضعه ثلاثة مؤرشفين هولنديين (5) في 1898:

Muller, J. A. Feith, and R. Fruin

Handleiding voor het ordenen en bescrijven van Archiven, Groningen. It was translated into English, with the title Manual for the Arrangement and Description of Archives, New York, 1940.

 

وتعتبر القواعد التي وردت في هذا الدليل الجهد الحقيقي الأول للتوضيح بشكل منظم للمفاهيم والمناهج التي اكتشفت صحتها في الأفكار النظرية الأرشيفية عن طريق المنطق والاتساق الداخلي، بدلا من السياق القانوني أو التاريخي، أو الثقافي. وعلى ذلك، فإن عمل هؤلاء المؤرشفين يعتبر أول أطروحة أرشيفية علمية، أدرك المؤرشفون المعاصرون واللاحقون إماكنية تعميم تطبيقها على أوسع نطاق. وقد تم ترجمتها إلى لغات عديدة.

 

وقد تبنت المنهج ذاته أول معالجة نشرت في انجلترا عن علم الأرشيف باعتباره علما كاملا قائما بذاته، والتي نشرها السير هيلاري جينكسون Hilary Jenkinson عام 1922 (6). إلا أن ما كتبه يوجينو كازانوفا (7) يعتبر، كما ورد في مادة Archives بالموسوعة البريطانية (8)، أكثر النصوص كمالا حول الموضوع.

 

وكان كازانوفا أيضا أول من أطلق عبارة   Archivistica للدلالة على علم الأرشيف الجديد. كما سكت عبارات مماثلة فيما بعد في اللغات الإسبانية والبرتغالية  archivologia / arquivologia، ثم حلت محلهما عبارتا archivistica / arquivistica

وتقابلان في الفرنسية archivistique

وفي الهولندية  archivestiek

وفي الألمانية  archivverwaltungslehre

وأخيرا ظهرت في الإنجليزية عبارة  archival science.

 

وقد ساعد إنشاء مدارس الأرشيف على الانتشار الواسع للكتابات وتطوير مناهج تدريس علم الأرشيف. وبحلول 1940 كانت قد تمت صياغة جميع الأفكار النظرية المتعلقة بالمواد والوظائف الأرشيفية التي تشكل أساس علم الأرشيف. وتبلورت المفاهيم الأرشيفية على الصعيد العالمي في الاعتبارات التالية:

 

أولا، الوثائق الأرشيفية تعتبر وحدة متكاملة ومترابطة (universitas rerum) تمثل منشئها.

 

ثانيا، الوثائق الأرشيفية تعتبر مواد طبيعية ونزيهة وغير متحيزة وموثوق بها وتعتمد على بعضها بعضا، كما أنها تعتبر الوسائل الفريدة والبقايا والإثباتات على أنشطة منشئها.

 

ثالثا، التماسك الأرشيفي باعتباره الرابطة الأصلية والضرورية بين الوثائق الأرشيفية التي تحددها الوظائف والقرارات والنشاطات التي أنتجتها.

 

رابعا، العمل الأرشيفي بصفته عملا يرتكز أولا

على احترام وحماية الحقائق المثبتة في الوثائق،

وعلى احترام وحماية الأمانة الفكرية والمادية للوثائق ذاتها،

وعلى احترام وحماية منشئها وترتيبها،

وعلى احترام وحماية قدرتها لكي تكون أدلة يعتمد عليها لضمان مسؤولياتها  الإدارية والشرعية والتاريخية،

وعلى احترام صفتها باعتبارها مصادر عامة لكل استخدام ومصلحة وبحث (1، ص. 6).

 

ومنذ ذلك الحين، تطورت الكتابات عن الأرشيف وفق مسارين رئيسيين:

 

أولا، المؤلفات المعقدة والشاملة التي تهدف إلى تلخيص كل النظريات الأرشيفية والأساليب والممارسات العملية، والمقالات الفكرية التي تعالج موضوعات نظرية ومنهجية محددة.

 

ثانيا، الدراسات التي تتناول الحالات case studies والمقالات البحثية التي تعالج أنواعا أو مجموعات محددة من الوثائق.

 

كما أن هناك نوعا آخر من المنشورات (ظهر بكثرة في الولايات المتحدة) وهو الأدلة الموجهة للعاملين بالحقل لتسهيل العمليات وهي بالطبع لا تعتبر أعمالا تؤثر على علم الأرشيف.

 

أساليب التأثير على علم الأرشيف

 

من أجل دراسة إسهامات الدول المختلفة في علم الأرشيف، يجب أن نتعرف على الأساليب التي تؤثر من خلالها الأفكار الاجتماعية والأفكار المتولدة عن صنوف أخرى من المعرفة في علم الأرشيف (أو في أي علم آخر).

 

الأسلوب الأول، هو ترك الأفكار المعنية تؤثر في نظام العلم بأكمله من الخارج بحيث تمنح تلك الأفكار الثبات والترابط لعناصر ذلك النظام الذي يسعى للحفاظ على خاصته العضوية ووحدته. وقد لوحظت هذه الظاهرة عندما استمدت الأفكار الأرشيفية روابطها المنطقية من نظرية الدولة، كما حدث في بلدان أوروبا الشرقية حيث حكمت الإيديولوجية نظام الأرشيف دون أن تحرمه من الصرامة والثبات والمصداقية، وكذلك في البلدان الآسيوية حيث قامت الفلسفة والدين بهذا الدور وما زالت تقوم به.

 

الأسلوب الثاني، يعتمد على إدخال هذه الأفكار في عنصر واحد يتم فصله عن العناصر الأصلية للنظام وعن النظرية التي تحكم تلك العناصر. ثم جعل هذه الأفكار الهدف الجوهري للعنصر المعني دون محاولة التوفيق بينه وبين أية فكرة أخرى في النظام، ودون السعي إلى تغيير هذه الأفكار في ضوء تطور هذا العنصر المحدد، وهذه هي الطريقة التي اختارها الكتاب الأمريكيون وبعض الكتاب الألمان للحفاظ على الرابطة بين المعرفة الأرشيفية والمجتمع.

 

الأسلوب الثالث، هو إدخال هذه الأفكار في صميم النظام، ومقابلتها بالنظرية التي تحكم النظام من الداخل، والسماح لها بأن تمتص وتدمج داخل النظام بأكمله بحيث لا يكتفي النظام بمجرد الحفاظ على خاصته العضوية، ووحدته، بل يزداد ثروة وتطورا ويتجدد باستمرار، وهذا ما فعله الاستراليون والكنديون.

 

تطور علم الأرشيف في أوربا وأمريكا الشمالية وأستراليا

 

أمريكا وألمانيا

 

أدى تأكيد دور المستفيد في اختيار وسائل العمل الأرشيفي إلى ظهور الرابطة مع علم المكتبات. ونتيجة لهذه الرابطة فقد دخلت أساليب الفهرسة والتكشيف التي تطورت في سياق علم المكتبات إلى صميم المعرفة الأرشيفية، وأصبح علم الأرشيف، لا سيما في الولايات المتحدة، بالنسبة إلى الكثيرين فرعا متخصصا من علوم المكتبات يدرس ضمن مجال المكتبات والتاريخ. ونلاحظ عدم وجود مناقشات في الكتابات المنشورة عن استقدام علم المكتبات - أو على الأقل الأجزاء المشتركة بين المكتبات والأرشيف - إلى المعرفة الأرشيفية قبل الخمسينيات من القرن العشرين. وذلك فيما عدا مراسلات Antonio Bonizzi مدير مكتبة المتحف البريطاني  مع فرنسيسكو بونايني  Francesco Bonaini مسؤول الأرشيف في جراند دوتشي  Grand Duchi في تسكانيا، التي نشرت في 1867، والتي رفض فيها Bonizzi مبدأ استخدام أساليب المكتبات في مجال الأرشيف (9).

 

ويلاحظ من التجربة الأمريكية والألمانية أن المؤثر الخارجي الذي يحكم نظام الأرشيف لم يكن جزءا من السياق الذي يولد السجلات ويكسبها خصائصها وعلاقتها ببعضها بعضا، كالمفاهيم الشرعية والسياسية والإيديولوجية. إذ عندما أصبحت البحوث والثقافة الشاغل الرئيسي للمعرفة الأرشيفية وبؤرة تركيزها وهدفها، تفتت تلك المعرفة في جزئيات العمل الأرشيفي. ويبدو هذا التفتت واضحا في المؤلفات الأمريكية والألمانية التي ظهرت في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين (10). وقد وصف Berner في 1983 كيف أن الأرشيفيين الأمريكيين بحثوا في كل مكان عن أفكار تساعدهم في أعمالهم لأنهم لم تكن عندهم معرفة بعلم الأرشيف (11).

 

هذه القيم والأفكار التي دخلت المعرفة الأرشيفية من علم الاجتماع وعلم المكتبات وما شابه، طبقت على العناصر المنفردة في النظام الأرشيفي مما أدى إلى تفتيت المعرفة الأرشيفية إلى مناطق منفصلة دون أن تكون هناك نظرية مترابطة تجمعها معا.

 

ويمكن ملاحظة المنهج ذاته في الكتابات المتعلقة بالاسترجاع والوصف، حيث نرى أن الكتابات عن الوسائط الخاصة (12-13)، تناقش كل موضوع على انفراد كما لو كان هذا الموضوع يعرض مشكلات لا يمكن حلها ضمن حدود المعرفة الأرشيفية وباستخدام وسائلها. وقد حدث هذا لأن الرابطة الحيوية بين النظرية الأرشيفية archival theory، والمنهجية methodology، والممارسة practice، تقطعت بسبب انفصال مفهوم الوثيقة concept of record عن مفهوم الأرشيف concept of archives. فقد جرى استيعاب النظرية الأرشيفية وصياغتها على أنها مجموعة من الأفكار المتعلقة بطبيعة الوثائق وإنشائها وحفظها وحمايتها. وعندما أصبح إنشاء الوثائق والاحتفاظ بها المجال الوحيد للممارسة الجديدة لإدارة الوثائق records management، انتزعت النظرية الأرشيفية archival theory من صميم المعرفة الأرشيفية archival knowledge فتركت حالة من العجز في هذا المجال. وهكذا ظل الأرشيف منهجا وممارسة بدون جوهر من الأفكار النظرية تلهمه وترشده فبحث عن هذه الأفكار في العلوم التاريخية والاجتماعية وفي علم المعلومات في الآونة الأخيرة.

 

وللمدخل الأمريكي لعلم الأرشيف، انظر العدد الخاص رقم 53 (1) من: The American Archivist (14) ومقالة Hensen (15).

 

ويلاحظ أنه في خلال الفترة من 1950 حتى 1980 وأثناء حدوث تلك التطورات في أمريكا الشمالية وألمانيا، وما لعلم المعلومات في هذه الدول من تأثير واضح على علم الأرشيف، كانت استجابة الدول الأوربية، وخصوصا الدول التي ساهمت في إنشاء هذا العلم بطيئة وفي الغالب سلبية من ناحية تجديد هذا العلم وتطوير البحوث في هذا المجال، وخصوصا في فرنسا وإيطاليا.

 

أستراليا

 

مما لا شك فيه أن علم الأرشيف علم أوروبي، ولكن حياته المتجددة تدين إلى الكتاب الأستراليين والكنديين الذين تبعوا الأرشيفيين الهولنديين بالعمل أكثر من القول. فقد استمر الأرشيفيون الأوروبيون في بناء مجموعة أفكارهم النظامية العضوية والمنفردة. ويلاحظ أن المجتمع الأوروبي كان مستقرا نسبيا بعد الحرب العالمية الثانية، فيما يتعلق بالبنى البيروقراطية، والإجراءات الإدارية، والهيكل التشريعي. إلا أنه بسبب التطور المعقد للبنى والإجراءات والهيكل، كان استقدام تكنولوجيا المعلومات information technology إلى صميم عمل المجتمع الأرشيفي الأوروبي شديد البطء والحذر وشديد التحفظ في أسلوبه ونتائجه.

 

وعلى عكس المجتمع الأرشيفي الأوروبي، كان رد فعل المجتمع الأرشيفي الأسترالي على التغيير الإداري والتقني سريعا وفعالا. فمعرفة الأستراليين بالأرشيف متشربة بالنظرة البريطانية المتشبعة بالصرامة والتماسك والثبات والوحدة. ولذلك فإن المجتمع الأرشيفي الأسترالي أخضع المؤثرات الخارجية لعمليات فحص دقيقة واختبار وموالفة قبل دمجها في نظام الأرشيف وبعد التأكد من أنها لن تزعزع هذا النظام، بل ستحفظ ترابطه وبؤرة اهتمامه وهدفه الذاتي.

 

ويجب التنويه هنا بأن اختيار الأفكار الأرشيفية الجديدة كان قد بني على حاجيات بعينها. وكان الهدف من تلك الأفكار غالبا هو تنشيط التطور الطبيعي لعناصر الأرشيف من داخل النظام. فقد كان التغيير الإداري بالدولة (الذي أقلق الحكومة الأسترالية في السبعينيات من القرن العشرين) هو الذي زاد من اهتمام الأرشيفيين الأستراليين بكل مكون من مكونات نظام المعرفة الأرشيفي وجعلهم يتعمقون أكثر في تحليل الأفكار النظرية والمنهجية القادمة من أوروبا ومن أمريكا الشمالية دون أن يرفضوا أيا منها، ولكنهم أخذوا المادة وبحثوا عن الأرضية المشتركة فوجدوها واستعملوها أساسا لبناء جديد، واختبروا النتائج إزء كل عنصر من عناصر النظام الأرشيفي مهما كان وضعه من قبل وعلى النحو الذي سيكون عليه فيما بعد.

 

فنظام السلسلة الأرشيفية series system، وهو المصطلح الذي أطلق على المنهج الوصفي الذي أوجده الأرشيفيون الأستراليون للسجلات الناتجة عن انتقال الوظائف والمهام باستمرار من هيئة إدارية إلى أخرى - ما هو إلا مثل واحد يبين كيف يستطيع علم الأرشيف أن ينمو ويعيد تجديد نفسه دون أن يفقد تناسقه العضوي organicity ووحدته unity ودون أن يتخلى عن استقلاله الجوهري.

 

فنظام السلسلة series system هو أحد الإنجازات التي أسهم بها الأرشيفيون الأستراليون في وضع تعريف واضح للمفاهيم النظرية، مثل "الوثيقة الأرشيفية archival document" و" حفظ السجلات المسؤول accountable record keeping" و "تتابع السجلات records continuum".

 

وليس من المبالغة في شيء قولنا إنه إذا كان الحفاظ على علم الأرشيف عبر موجة من التغيير هو استحقاق أوروبي، فإن بوسع الأستراليين الادعاء بأنهم طوروا علم الأرشيف إلى درجة يمكن معها القول بأنهم أعادوا اكتشافه من جديد لبقية العالم (16-17).

 

 

كندا

 

وكندا هي بالتأكيد إحدى الدول التي أعيد فيها اكتشاف علم الأرشيف. فقد تبنى المجتمع الأرشيفي الكندي تفكيرا منتظما مشتركا حول المعرفة الأرشيفية في أواخر السبعينيات فقط.

 

فقد تطلع الكنديون نحو الولايات المتحدة بحثا عن الإرشاد. وكان تطور المعرفة الأرشيفية في كندا جزءا لا يتجزأ مما كان يدعى سابقا "بمنهج أمريكا الشمالية". ولكن في أواخر الثمانينيات، تعاون المجتمع الأرشيفي الكندي في مجهود قومي، على وضع معايير وصفية. إلا أن المنهج الكندي يختلف عن المنهج الأسترالي، إن لم نقل في أسلوب البحث، ففي الأفكار التي كانوا يحاولون إدخالها في نظام الأرشيف.

 

فبينما كان الأستراليون يتعاملون مع وضع يتعلق بإنشاء السجلات، وحفظها، واستخدامها، وكان عليهم أن يضمنوا في النظام أفكارا تتعلق بواقع جديد لمجموع السجلات، كان الكنديون يتعاملون مع موقف يتعلق باسترجاع الوثائق المحفوظة في المؤسسات الأرشيفية. وكانوا يحاولون إدخال أفكار مستمدة من علم المكتبات في النظام. ولإنجاز هذا العمل حلل الكنديون معنى ومضمون المفاهيم والمبادئ الأساسية، مثل:

 

مفهوم الوحدة الأرشيفية المتكاملة concept of fonds

ومبدأ المنشأ principle of provinance

ومبدأ الترتيب الأصلي original order

 

وحددوا جوهرها الذي لا يجب أن يمس حتى يستطيع النظام الأرشيفي أن يحتفظ ويتمسك بأمانته. كما عدلوا قواعد وصف الوثائق بالمكاتب بما يتلاءم مع نظرية الأرشيف وأساليبه. وبذلك أصبح نظام الأرشيف ثريا جدا بفضل الأفكار التي دخلت إليه من الخارج، ولكنها أصبحت أرشيفية بطبيعتها نظرا لاندماجها في المعرفة الأرشيفية التي امتصتها امتصاصا كاملا.

 

وما بدأ في كندا على أنه احترام للمبادىء الواجب تطبيقها في الوصف، أدى إلى ازدهار كبير في الأفكار النظرية. كما ساعد في تطوير برامج شاملة في التعليم الأرشيفي للمرة الأولى في كندا بشطريها، الفرنسي والإنجليزي، وهو ما يشكل بؤرة اهتمام لمزيد من البحوث.

 

ويوجه الأرشيفيون الكنديون اهتمامهم نحو خلق مهنة منظمة قائمة على علم الأرشيف بدلا من أن تكون قائمة على البراجماتية المجردة.

 

وللمدخل الكندي لعلم الأرشيف، راجع (18-22).

ولتاريخ تعليم علم الأرشيف في أمريكا الشمالية، راجع: (23-25).

 

الدول الاسكندينافية وبريطانيا

 

في أواخر القرن التاسع عشر كان الأرشيفيون الاسكاندينافيون قد عرفوا الحدود المستقلة لعلم الأرشيف. وكان الكتاب الذي وضعه S. Muller, J. A. Feith, and R. Fruin، عن ترتيب الأرشيف ووصفه (5) أول تعبير عن علم ناضج تنحدر مكوناته المنهجية والعلمية من نظريته الخاصة به. وبعد ذلك بقرن من الزمن، بذل المجتمع الأرشيفي الهولندي جهدا خاصا للعودة إلى المفاهيم والمبادئ التي قام عليها علم الأرشيف في الأصل على أمل العثور فيها على المقومات الضرورية لإحيائه.

 

وبينما تميز عبارة "التجديد" ما قام به الأستراليون في علم الأرشيف،

 

وبينما تميز عبارة "إعادة الاكتشاف" ما حدث للأرشيفيين الكنديين الذين كانوا يبحثون عن المعرفة الأرشيفية،

 

نجد أن عبارة "الإحياء أو النهضة" هي الأكثر دلالة على ما يحدث لعلم الأرشيف في اسكندينافيا.

 

فبسبب التأثيرات المزعزعة التي نتجت عن ادخال تقنيات المعلومات الجديدة إلى المكاتب التي تنشئ الوثائق، وبسبب التغييرات التنظيمية، بدأ الأرشيفيون الاسكندينافيون في اختبار المفاهيم والمبادئ القديمة إزاء الواقع الاجتماعي والقانوني والوثائقي الجديد. وهم يفعلون هذا عن طريق تنظيم اجتماعات دولية وتشجيع المجتمع الدولي على التعاون في هذا المجال.

 

وفي النصف الثاني من الثمانينيات من القرن العشرين تبنى الأرشيفيون الهولنديون عملا ضخما من البحث في أشكال السجلات كما أنشأتها واستعملتها الهيئات المختلفة منذ القرن التاسع عشر. وجاءت نتيجة هذه الدراسة على شكل سلسلة من الكتب تحتوي على نماذج من جميع أنواع الأشكال التي عثر عليها في كل مجموعة أرشيفية (26).

 

إلا أن الجهود الهولندية ليست كما يبدو عودة إلى الماضي وليست كذلك عودة إلى منهجية الوثائق التاريخية لإعادة دمج تلك الأفكار التي كانت قد فصمت عن جسم المعرفة الأرشيفية خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر حين انضم علم الأرشيف باعتباره خاضعا لنظرية الدولة إلى العلوم الإدارية والقضائية، وحين أصبحت الوثائق التاريخية علما مندرجا تحت التاريخ. فالعلاقة الجديدة بين دراسة الوثائق التاريخية وعلم الأرشيف لاتشبه تلك العلاقة التي كانت قائمة حين كانت النظرية الأرشيفية تعتبر مجموعة متميزة من الأفكار.

 

ومع أن علم الوثائق التاريخية تطور بشكل مستقل، إلا أنه ظل متوافقا مع هدفه الأولي، ألا وهو تحديد طبيعة الوثائق الأرشيفية والمميزات التي تجعلها موثوقة يمكن الاعتماد عليها ضمن السياق الذي أنشئت فيه. وليس من قبيل المصادفة أن يكون الأرشيفيون الهولنديون هم الوحيدون بين مجتمعات الأرشيفيين الأوربيين الذين يواجهون التحدي القادم من نظم السجلات الإلكترونية بكل قوة وتصميم (27).

 

والمنهج الاسكندنافي مختلف في جوهره عن المنهج البريطاني، حيث يقول مايكل كوك Michael Cook :

"لا يحتل الأرشيفيون البريطانيون مكان الصدارة بين من يروجون لتبديل صياغة المبادئ الأرشيفية، ولكنهم إلى حد ما يستجيبون إلى التحديات ذاتها".

وهم يفعلون هذا من خلال إعطاء بنية وصرامة للممارسات القديمة القائمة على مفاهيم أرشيفية جوهرية دون اعادة اختبار أوتحليل هذه المفاهيم أو مضامينها في ضوء الواقع الجديد. وهذا أكثر مما نجد أن إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا مستعدة لفعله، وهي الدول التي تطورت فيها المعرفة الأرشيفية إلى علم (28-29).

 

أفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا

 

أما الدول الأفريقية ودول أمريكا الجنوبية فهي تسير على نهج الدول الأوروبية في مراعاة مبادئ الأرشيف الأساسية.

 

أما الدول الآسيوية فقد كانت أكثر مقاومة من الدول الأوروبية لأي تغيير. ولكن يلاحظ بسبب علاقاتها بشمال أمريكا، أنها بدأت تتحرر أكثر لاستكشاف أفكار جديدة في هذا المجال.

 

 

الخاتمة

 

إن كل ما تقدم يشكل برهانا على الدور الكبير الذي لعبته المعرفة الأرشيفية في الطريقة التي استجابت بها كل دولة على حدة للتغييرات التي حدثت في إنشاء الوثائق وحفظها. فبينما كانت أقدم المدارس مثل L ’Ècole des Chartes، بطيئة في إصلاح وإنعاش مناهجها، حيث لم تقم إلا بنقل العلم القديم، نرى أن المدارس الجديدة في بلدان مثل أستراليا وكندا وجدت أنفسها مرغمة على إعادة بناء الأساس القديم من أجل الانتقال إلى الجديد.

 

وعموما، فإن علم الأرشيف يحتاج إلى الدعم من مصدرين كانا على مر القرون عناصر حيوية من عناصر تطوره، ألا وهما القانون ونظام تعليم علم الأرشيف. وكذلك فإن إقامة المعايير في القطاع العام ستؤدي إلى دعم السلوك والالتزام في القطاع الخاص.

 

فالفكر القانوني يتحكم في شكل الأرشيف وتشكيله، كما أنه يخضع له بدوره. ولكن إصدار القوانين والسياسات والقرارات التشريعية وماشابه، لا يمكن أن يحقق أثرا مستمرا وفعالا ما لم يصحبه نظام تعليم مهني مستقل ومنظم. والفكر الأرشيفي لا يمكن أن يتطور وينمو الا حيث تزدهر البحوث وتمارس أساليب العلوم المتداخلة في الجامعات.

 

ويستطيع المرء أن يستشف مما سقناه أن العلاقة بين القانون والمعرفة الأرشيفية اتبعت عبر القرون الخطوط ذاتها التي اتبعتها العلاقة بين علم الوثائق التاريخية (الدبلوماتيقا) والمعرفة الأرشيفية.

 

ويمكن للمرء أن يتوقع رؤية علم الأرشيف كعلم قادر على التعرف على أسسه الخاصة في القانون وفي علم الوثائق التاريخية على حد سواء، وأن ينفتح لتقبل المفاهيم القانونية لا كمجرد قبول سلبي، ولكن كعملية دمج دقيقة ومتعمقة. كما أن على هذا العلم أن ينفتح على النظريات والعلوم الأخرى، كنظرية التنظيم ونظرية الاتصالات، وعلم المكتبات والمعلومات ويتبنى عناصر مفيدة من تلك العلوم التي يمكن أن تتوافق مع النظرية والمنهجية الأرشيفية.

 

وعليه أيضا أن يتبنى مناهج البحث العلمي التي تساعد الباحثين في هذا الميدان على تقويم الأبحاث وربط النظريات بالأنشطة العملية.

 

كما أن على هذا العلم أن يعيد ارتباطه بأنواع المعرفة التي كان لها دور في تطوره، مثل القانون، وتاريخ اللغة، والتاريخ الإداري، والعلوم السياسية كما حدث في القرنين الماضيين. ولمناقشة متوسعة عن علاقة علم ونظم الأرشيف بالتاريخ والاقتصاد، راجع: Duranti’s The Archival Body of Knowledge (9). وقدرة هذه العملية على أن تتكرر دون انقطاع هو أمر حيوي لمصلحة المجتمع للمحافظة على حقوقه وتراثه والتزاماته حاضرا ومستقبلا.

 

 

قراءات أخرى في علم الأرشيف:

 

لنظرة فلسفية تحليلية في نظرية الأرشيف، راجع:

 

Livelton, Trevor. (1996). Archival Theory, Records, and the Public, Scarecrow Press and the Society of American Archivists, Chicago.

 

ولنظرة تاريخية عن مدارس الأرشيف في القرون الوسطى، راجع:

 

Duranti, L. (summer 1994). Medieval Universities and Archives. Archivaria, 38.

 

وللدراسات الأولية عن استخدام الأتمتة وتقنية المعلومات في مجال الأرشيف، انظر:

 

Brown, T. E. (fall 1987). The Evolution of an Appraisal Theory for Automated Records. Archival Informatics News Letter, 1, 49.

 

Dollar, C. M. (Oct.1978). Appraising Machine-Readable Records. American Archivist, 41, 423-430.

 

Naugler, H. (1983), The Archival Appraisal of Machine Readable Records: A RAMP Study with Guidelines, UNESCO, Paris.

 

Dollar, C. M.  (1992). Archival Theory and Information Technologies: The Impact of Information Technologies on Archival Principles and Methods, University of Macerata, Macerata.

 

A series of articles by Bearman, Dollar, Hedstrom, and Wallace (autumn 1993) in Archivaria.

 

وهذه بعض تواريخ بدء تدريس علم الأرشيف في بعض الجامعات.

كان هذا العلم يدرس منذ 1870 في المدارس الإيطالية الموجودة في:

 

Turin, Milan, Venice, Genoa, Bologna, Parma, Rome, Naples, and Palermo

 

 

In Europe and Russia:

Archivschule Marburg since 1893,

Archiefschool of The Hague since 1919,

the University of Amsterdam since 1912,

Brussels Archives since 1920,

Vatican School (founded in 1884) since 1923,

Romanian Archives since 1924,

Archival Institute of Moscow since 1930.

 

In the United States and Brazil:

A course was offered in 1938-1939 at Columbia University,

A stable teaching of archival administration was introduced in 1939-1940 at the American University by Ernst Fosner.

Brazilian Archives since 1922,

 

In England:

in 1947-1948, the preexistent School of Librarianship of the University College of London became the School of Librarianship and Archives Administration.

In the same year, another course was established at the University of Liverpool, where a school of history and records had existed since 1909.

 

ولمعلومات عن بدء تدريس علم الأرشيف في بقية الدول بما فيها الدول الآسيوية (التي بدأت تدريس هذا العلم في أوائل الخمسينيات) وأمريكا الجنوبية وأفريقيا، راجع:

 

E. Lodolini, E. (1987). Archivistica. Principi e problemi, Franco Angeli, Milan, p. 241-267.

 

وقد بدأ تدريس هذا العلم في مصر في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين تحت اسم علم الوثائق في كلية الآداب جامعة القاهرة).

 

وطبقا للمرجع التالي، كان هناك في عام 1984 ما يقرب من 150 مدرسة تدرس هذا العلم.

 

Brachman, B. (1986). Anforderungen an die menschlichen Reserven. Archivurn, a. XXXII, 186.

راجع أيضا:

Eastwood. (summer 1988). Nurturing Archival Education in the University. American Archivist, 51, 250.

 

 

---------

 

المراجع

 

1.   Durnati, Luciana. (1997). Archival science. In: Encyclopedia of Library and Information Science. (pp. 1-19). (New York: Mercel Dekker, 1997) vol. 59, Suppl. 22.

 

2.   Kolsrud, Ole. (1988). Developments in Archival Theory. In: The Encyclopedia of Library and Information Science. Vol. 61. 91-109.

 

3.   Posner, Ernest. (1972). Archives in the Ancient World. Cambridge, MA: Harvard University Press.

 

4.   Duranti, Luciana. (Summer 1989). Diplomatics: new uses for an old science. Archivaria. 28. 7-27.

 

5.   Muller, J. A. Feith, and R. Fruin. (1898). Handleiding voor het ordenen en bescrijven van Archiven, Groningen. It was translated into English, with the title Manual for the Arrangement and Description of Archives, New York, 1940.

 

6.   Jenkinson. (1922. Republished in 1965). A Manual of Archive Administration. Percy Lund, Humpries, London.

 

7.   Casanova, Eugenio. (1928). Archivistica, Lazzeri, Siena.

 

8.   Born, L. K. (1968). Archives. The Encyclopedia Britannica.

 

9.   Durnati, Luciana. (winter 1993). The archival body of knowledge: Archival theory, Method, and practice, and graduate and continuing education. Journal of Education for Library and Information Science. Vol. 34 (1). 8-24.

 

10. Ham, Gerald. F. The archival edge. (Jan. 1975) The American Archivist. 38, 5-13.

 

11. R. C Berner. (1983). Archival Theory and Practice in the United States: A Historical Analysis. University of Washington Press, Seattle.

 

12. UNESCO's RAMP studies on special media, mostly written by North Americans, such as S. Kula. (1983). The Archival Appraisal of Moving Images: A RAMP Study with Guidelines, UNESCO, Paris.

 

13. Blais, Gabrielle and D. Enns. (winter 1990-1991). From Paper Archives to People Archives: Public Programming in the Management of Archives.  Archivaria, 31, 101-113.

 

14. The Society of American Archivists. The American Archivist. (1990). 53(1)

 

15. Hensen, Steven L. (spring 1993). The First Shall Be First: APPM and Its Impact on American Archival Description. Archivaria, 35, 64-70.

 

16. McKemmish, S. and Upward, E. eds. (1993). Archival Documents. Providing Accountability Through Recordkeeping, Ancora Press, Melbourne.

 

17. McKemmish, S. and Piggot, M. (1994). The Records Continuum Ian Maclean and Australian Archives. First Fifty Years, Ancora Press in association with Australian Archives, Clayton, Vic.

 

18. Bureau of Canadian Archivists. (1985). Towards Descriptive Standards. Bureau of Canadian Archivists. Ottawa.

 

19. Duff, Wendy M. and Haworth, K. M. (winter 1990-1991). The Reclamation of Archival Description: The Canadian Perspective. Archivaria, 31, 26-36.

 

20. Stibbe, Hugo. (summer 1992). Implementing the Concept of Fonds: Primary Access Point, Multilevel Description and Authority Control. Archivaria, 34, 109-137.

 

21. Eastwood, T. ed., (1992). The Archival Fonds: From Theory to Practice, Bureau of Canadian Archivists, Ottawa.

 

22. MacNeil, H. (spring 1994). Archival Theory and Practice: Between Two Paradigms. Archivaria, 37, 6-20.

 

23. Schaeffer, R. (spring 1994). From Craft to Profession: The Evolution of Archival Education and Theory in North America. Archivaria, 37, 21-34.

 

24. Parkinson, Jane. (1993). Accountability in Archival Science, Master of Archival Studies, University of British Columbia.

 

25. Wylie, R. (spring 1995). Student Archivistics:  The Contribution of Master of Archival Studies to Archival Professional Literature. Archivaria, 39, 96-107.

 

26. Sigmond, J. Peter. (winter 1991-1992). Form, Function and Archival Value. Archivaria, 33, 141-147.

 

27. Bikson, T. K. and Frinking, E. J. (1993). Preserving the Present: Toward Viable Electronic Records. Sdu Publishers, The Hague.

 

28. Cook, Michael. MAD2: Reassessing the Experience. (spring 1993). Archivaria, 35, 15-23.

 

29. Cook, Michael. (summer 1992). Description Standards: The Struggle Towards the Light. Archivaria, 34, 50-57.